سورة الحجر - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحجر)


        


{الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (1)}
تقدم معناه. و{الْكِتابِ} قيل فيه: إنه اسم لجنس الكتب المتقدمة من التوراة والإنجيل، ثم قرنهما بالكتاب المبين.
وقيل: الكتاب هو القرآن، جمع له بين الاسمين.


{رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ (2)}
{رب} لا تدخل على الفعل، فإذا لحقتها {ما} هيأتها للدخول على الفعل تقول: ربما قام زيد، وربما يقوم زيد. ويجوز أن تكون {ما} نكرة بمعنى شي، و{يَوَدُّ} صفة له، أي رب شيء يود الكافر. وقرأ نافع وعاصم {ربما} مخفف الباء. الباقون مشددة، وهما لغتان. قال أبو حاتم: أهل الحجاز يخففون ربما، قال الشاعر:
ربما ضربة بسيف صقيل *** بين بصرى وطعنة نجلاء
وتميم وقيس وربيعة يثقلونها. وحكى فيها: ربما وربما، وربتما وربتما، بتخفيف الباء وتشديدها أيضا. واصلها أن تستعمل في القليل وقد تستعمل في الكثير، أي يود الكفار في أوقات كثيرة لو كانوا مسلمين، قاله الكوفيون. ومنه قول الشاعر:
ألا ربما أهدت لك العين نظرة *** قصاراك منها أنها عنك لا تجدي
وقال بعضهم: هي للتقليل فهذا الموضع، لأنهم قالوا ذلك في بعض المواضع لا في كلها، لشغلهم بالعذاب، والله أعلم. قال: {رُبَما يَوَدُّ} وهى إنما تكون لما وقع، لأنه لصدق الوعد كأنه عيان قد كان. وخرج الطبراني أبو القاسم من حديث جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «إن ناسا من أمتي يدخلون النار بذنوبهم فيكونون في النار ما شاء الله أن يكونوا ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون ما نرى ما كنتم تخالفونا فيه من تصديقكم وإيمانكم نفعكم فلا يبقى موحد إلا أخرجه الله من النار»- ثم قرأ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ}. قال الحسن: إذا رأى المشركون المسلمين وقد دخلوا الجنة وما رأوهم في النار تمنوا أنهم كانوا مسلمين.
وقال الضحاك: هذا التمني إنما هو عند المعاينة في الدنيا حين تبين لهم الهدى من الضلالة.
وقيل: في القيامة إذا رأوا كرامة المؤمنين وذل الكافرين.


{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (3)}
فيه مسألتان: الأولى: قوله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا} تهديد لهم. {وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ} أي يشغلهم عن الطاعة. يقال: ألهاه عن كذا أي شغله. ولهى هو عن الشيء يلهى. {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}إذا رأوا القيامة وذاقوا وبال ما صنعوا. وهذه الآية منسوخة بالسيف.
الثانية: في مسند البزار عن أنس قال قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: «أربعة من الشقاء جمود العين وقساوة القلب وطول الأمل والحرص على الدنيا». وطول الأمل داء عضال ومرض مزمن، ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه واشتد علاجه، ولم يفارقه داء ولا نجع فيه دواء، بل أعيا الأطباء ويئس من برئه الحكماء والعلماء. وحقيقة الأمل: الحرص على الدنيا والانكباب عليها، والحب لها والاعراض عن الآخرة.
وروى عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: «نجا أول هذه الامة باليقين والزهد ويهلك آخرها بالبخل والأمل». ويروى عن أبى الدرداء رضى الله أنه قام على درج مسجد دمشق فقال: يأهل دمشق، ألا تسمعون من أخ لكم ناصح؟ إن من كان قبلكم كانوا يجمعون كثيرا ويبنون مشيدا ويأملون بعيدا، فأصبح جمعهم بورا وبنيانهم قبورا وأملهم غرورا. هذه عاد قد ملأت البلاد أهلا ومالا وخيلا ورجالا، فمن يشترى منى اليوم تركتهم بدرهمين! وأنشد:
يا ذا المؤمل آمالا وإن بعدت *** منه ويزعم أن يحظى بأقصاها
أنى تفوز بما ترجوه ويك وما *** أصبحت في ثقة من نيل أدناها
وقال الحسن: ما أطال عبد الأمل إلا أساء العمل. وصدق رضي الله عنه! فالامل يكسل عن العمل ويورث التراخي والتواني، ويعقب التشاغل والتقاعس، ويخلد إلى الأرض ويميل إلى الهوى. وهذا أمر قد شوهد بالعيان فلا يحتاج إلى بيان ولا يطلب صاحبه ببرهان، كما أن قصر الأمل يبعث على العمل، ويحيل على المبادرة، ويحث على المسابقة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8